رسالة في نفقة الزوجة

اشارة

نام كتاب: رسالة في نفقة الزوجة

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: اراكى، محمد على

تاريخ وفات مؤلف: 1415 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 1

ناشر: مؤسسه در راه حق

تاريخ نشر: 1413 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

ملاحظات: به اسم" رسالتان في الإرث و نفقة الزوجة" چاپ شده است

[المقدمة]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد للّٰه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه على محمّد و آله الطيبين الطاهرين، و لعنة اللّٰه على أعدائهم أجمعين، أبد الآبدين و دهر الداهرين.

و بعد فهذا مختصر في أحكام نفقة الزوجة على الزوج و فيه مطالب:

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 250

المطلب الأول

اعلم أن أصل وجوب نفقة الزوجة الدائميّة علىٰ الزوج في الجملة ممّا لا إشكال فيه، و إنّما الكلام و الإشكال في أنّه هل يكون لأدلّة وجوبها إطلاق، أو ليس لها الإطلاق، و إنّما هي واردة مورد حكم آخر، و ليست في مقام البيان من حيث شروط وجوب النفقة. و بعبارة أخرىٰ هل الأصل في هذا الباب هو وجوب النفقة حتّى يثبت المخرج، أو أنّه عدم وجوبها حتّى يثبت الوجوب؟

و يظهر ثمرة الوجهين في موارد الشكّ في وجوب النفقة لوجود أمر يحتمل مانعيّته للوجوب، أو فقد أمر محتمل الشرطيّة.

منها صورة كون أحد الزوجين أو كليهما صغيرا فيشكّ في ثبوت النفقة لاحتمال اشتراط كبارة الطرفين.

و منها صورة كون عدم تمكين الزوجة للزوج في الاستمتاع منها واجبا عليها لخوفها على نفسها بأن تقتلها الضرّة لو أقدم، و فقد مكان آخر صالح للاستمتاع.

و منها صورة كون الخروج من البيت بغير إذن الزوج واجبا على الزوجة

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 251

بوجوب مضيّق كما لو كان لأجل السفر إلى الحجّ المضيّق. و بالجملة فيشكّ في أنّ عدم التمكين أو الخروج بغير إذن الزوج إذا كانا واجبين هل يكونان مانعين عن ثبوت النفقة أو لا؟

و منها صورة كون المرأة معقودة في بيت أهلها لم يصل أوان زفافها.

فإن قلنا بعدم الإطلاق لأدلّة الباب فالمرجع في هذه الفروع و نظائرها هو أصالة البراءة و إن قلنا بثبوت

الإطلاق لها فالمرجع هو أصالة الإطلاق فالمهمّ تحقيق وجود الإطلاق و عدمه.

فنقول: أدلّة الباب من الآيات و الروايات بين طائفتين:

فمنها: ما لا يكون لها الإطلاق لكونها واردة إمّا في مقام بيان كميّة النفقة أو كيفيّتها في موضع كانت واجبة و إمّا في مقام تعداد واجبي النفقة من الولد و الوالدين و الزوجة، في قبال عدم وجوبها لسائر الأقارب. و هذه الطائفة لا إشعار و لا تعرّض فيها لبيان أنّ مورد الوجوب ما ذا؟ و شرطه ما ذا؟

و منها ما لا يكون لها الإطلاق بالنسبة إلى ما إذا كان أحد الطرفين أو كلاهما صغيرا، و لها الإطلاق بالنسبة إلى الجهات الأخر، و هي آيتان و رواية واحدة.

أمّا الآيتان: فقوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ «1» و قوله تعالى وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «2».

و أما الرواية فهي صحيحة أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: (من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقّا على الإمام عليه السلام أن يفرّق بينهما) «3».

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية: 233.

(2) سورة النساء، الآية: 19.

(3) الوسائل 15/ 223.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 252

أمّا تقريب عدم الإطلاق لها بالنسبة إلى صورة صغارة أحد الزوجين أو كليهما أمّا في قوله تعالى وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ «4» فلأنّ الموضوع هو الوصف العنواني، و القطع حاصل بعدم الدخل لهذا الوصف، أعني الولادة الفعليّة في حكم النفقة، بل هو إشارة إلى الذات فيكون الموضوع ذات الرجل الذي ولد له الولد، و ذات الزوجة التي ولّدت الولد و هذه الذات يكون مجمعا لحيثيّتين: إحديهما الولادة الفعليّة، و هي مقطوع عدم دخلها، و الأخرى

هي الكبارة، و هذه مشكوكة الدخل، فلا إطلاق للآية بدفع احتمال شرطيّتها.

و أمّا الآية الثانية أعني قوله تعالى وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «5»، بعد ورود تفسير المعروف من أهل البيت عليهم السلام بإعطاء ما يقيم الصلب و يستر العورة، فيكون معنى الآية: و عاشروهنّ بإعطائهنّ ما يقيم صلبهنّ و يكسو عورتهنّ، فلأنّ معنى المعاشرة لا يصدق إلّا مع كبارة الطرفين، فإنّه بمعنى المحشورية و الرفاقة و المصاحبة في المعيشة، و هذا المعنى لا يصدق في الطفل الرضيع و ما يقرب منه.

و قد يتوهّم إمكان التمسّك بقوله تعالى فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «6» بملاحظة التفسير المذكور الوارد في الأخبار «7» للمعروف.

و فيه أنّ سابقه قوله تعالى الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ «8» و المراد أن الطلاق

______________________________

(4) سورة البقرة، الآية: 233.

(5) سورة النساء، الآية: 19.

(6) سورة البقرة، الآية 229.

(7) الوسائل 15/ 226.

(8) سورة البقرة، الآية: 229.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 253

الرجعي منحصر في مرّتين، و المرّة الثالثة أمّا إمساك بمعروف و إمّا تسريح بإحسان، و هذا لا يشمل صورة صغارة أحد الطرفين، فإنّ الطلاق حينئذ بائن، و ليس برجعي لكون الزوجة غير مدخول بها.

و أمّا الرواية، فلأنّه و إن كان معنى كون المرأة عند الرجل كونها تحت حبالة نكاحه لا الحضور عنده، إلّا أنّ لها الانصراف إلى غير الصغير و الصغيرة من جهتين: الأولى: أنّ نفس التزوّج و وجدان الزوجة لا يصدق عرفا إلّا مع كبارة الطرفين. و الثانية: أنّ المرأة منصرفة إلى غير الرضيعة و ما يقرب منها.

و أمّا تقريب ثبوت الإطلاق لها من الجهات الأخر، ككون الزوجة خارجة الى السفر الواجب المضيّق أو كونها غير ممكّنة من الاستمتاع بها لأجل حفظ نفسها من ضرر ضرّتها، لكونها

خائفة منها على نفسها، أو كونها مريضة بحيث تضرّ بمرضها المقاربة، أو كونها معقودة في دار أبيها و نحو ذلك، فهو أنّ الخارج من هذه الإطلاقات إنما هو عنوان الناشزة، و المراد بالنشوز هو مخالفة الزوج في الحقوق المجعولة الواجبة على الزوجة، و في غير المورد الأخير ليست الزوجة بهذه الصفة، فإنّها و إن كانت مخالفة للزوج، لكن ليس مخالفتها في حقّ واجب، فلا يصدق النشوز، و كذا الأخير، فإنّها ما دامت في بيت أبيها لا تسمّى ناشزة. نعم لو أراد الزوج منها الانتقال إلى بيته، فلم تجبه كانت ناشزة حينئذ.

و الخبر الدالّ على خروج الناشزة من الإطلاقات، موثّقة السكوني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: قال رسول اللّٰه صلّى اللّٰه عليه و آله: (أيّما امرأة خرجت من بيتها بغير إذن زوجها فلا نفقة لها حتى ترجع) «9».

______________________________

(9) الوسائل 15/ 229.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 254

و قوله صلّى اللّٰه عليه و آله في خطبة الوداع: (فإن انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهنّ و كسوتهنّ) «10» هذا.

و كلمات الأصحاب في هذا المقام مشوّشة، فإنّهم علّلوا سقوط النفقة في الصغيرة بأنّها غير قابلة للاستمتاع بالوطء، و ذكروا في وجه الفرق بينها و بين الحائض أنّ الحائض لها قابلية الاستمتاع ذاتا و إنّما طرأ المانع، إلى غير ذلك من الكلمات التي مرجعها إلى الاستحسانات، فيكون من الغريب صدورها من علماء الإماميّة رضوان اللّٰه عليهم.

فقد تحقّق بما ذكرنا الكلام في الشبهات الحكميّة في هذا الباب، و أنّ الصغيرة لا يجب لها النفقة، و الصغير لا يجب عليه، لأصالة البراءة، و أنّ من يجب عليها عدم التمكين لحفظ النفس من الضرّة أو المرض، أو يجب عليها السفر، و المعقودة

الغير المزفوف بها يجب نفقتها لأصالة الإطلاق.

ثمّ إنّه يظهر منهم اشتراط التمكين من الاستمتاع في النفقة، بمعنى الأمر الوجودي و الحركة الحادثة القولية أو الفعليّة مثل أن يقول في كلّ يوم و ليلة: بذلت نفسي أو يفعل فعلا يدلّ على ذلك، و لكنّك عرفت ممّا ذكرنا ضعفه، فأنّ الخارج عن إطلاق الأدلّة الزوجة المخالفة الغير المطيعة في الحقّ الواجبة عليها للزوج، و غيرها لم يدلّ دليل على إخراجها عن تحت الإطلاق.

و قد اتّضح الحال في الشبهات الحكميّة في المقام، و أن أيّا منها مجرى للبراءة و أيّا مجرى للإطلاق.

لكن بقي هنا مطلب فرّع عليها في المسالك حكما، و هو أنّه هل يكون النشوز مانعا عن النفقة، أو يكون التمكين شرطا لها، و فرّع على ذلك أنّه لو تنازع الزوجان فادّعى الزوج سقوط النفقة و نشوزها، و ادّعت هي بثبوتها

______________________________

(10) الوسائل 15/ 230.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 255

و التمكين. فعلى الأوّل يكون الأصل مع الزوجة، فيكون الزوج مدّعيا و عليه الإثبات، و على الثاني يكون الأصل مطابقا لقول الزوج، و تكون الزوجة مدّعية و عليها الإثبات.

و تحقيق هذا المقام: يبتني على تحقيق معنى التمكين. فنقول: يحتمل له معنيان: الأوّل أن يكون بمعنى الأمر الوجوديّ المحتاج إلى المحقّق و الحركة الخارجيّة الحادثة من القول أو الفعل، فيكون معنى اشتراطه أنّه يلزم أن تكون الزوجة واجدة لهذه الحركة دائما، و الثاني أن يكون بمعنى أنّها عقيب إظهار الزوج تكون متقبّلة، و بعبارة أخرى كونها واجدة لحالة الحضور، و هذا غير محتاج إلى إيجاد حركة، و إحداث فعل في الخارج، فإنّه عبارة عن كونها بحيث متى طالب الزوج منها الاستمتاع لكانت حاضرة مطيعة لا إرادة لها في

قبال إرادته، و هذه حالة قائمة بها حاصلة فيها حالة النوم أيضا، و الظاهر في معناه هو الثاني و حينئذ يقال: إنّه لا ثمرة بين القول بكون هذا المعنى شرطا و بين كون النشوز مانعا، فإنّه متى تحقّق هذه الحالة كان النشوز معدوما، و متى تحقّق النشوز، كانت هذه الحالة معدومة، فيكون وجود كلّ ملازما لعدم الآخر، فإن قلنا بكون النشوز مانعا، فلا إشكال في جريان أصالة عدمه، و إن كان التمكين شرطا فلا مانع من إجراء أصالة عدم النشوز أيضا لإثبات لازمه الذي هو التمكين، و لا يكون هذا من الأصل المثبت، لكون التلازم عرفيّا، فإنّ المتلازمين قد يكونان بحيث يمكن التفكيك بينهما في نظر العرف في مرحلة التعبّد، و إن كانا غير قابلين بحسب مرحلة الواقع، مثل ثبوت اللحية و حياة الزيد، فإنّهما متلازمان واقعا، و لكن قابلان للتفكيك تعبّدا، و قد يكونان بحيث لا يرى العرف تفكيكا بينهما حتّى في مرحلة التعبّد أيضا، كما في الأبوّة و البنوّة، فإنّ العرف لو علم أنّ الزيد عند الشارع نازل منزلة الأب لعمرو يفهم من ذلك أن عمرو نازل منزلة الابن لزيد، و لا يدخل

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 256

في ذهنه التفكيك، و كما في الحركة و السكون فإنّه متى أجري أصالة عدم الحركة، فإن كان السكون أمرا عدميّا فلا كلام، و إن كان وجوديّا فالعرف يحكم به عند الحكم بعدم الحركة تعبّدا، فهنا أيضا يكون التلازم بين عدم النشوز و التمكين بمثابة لا يرى تفكيكا بينهما العرف في مرحلة التعبّد أيضا، فيكون الأصل على أيّ حال في طرف الزوجة. هذا.

و لكن يرد عليه أنّهما غير متلازمين لإمكان خلوّ الزوجة عن حالة الانقياد

و التمكين و عن الفعل الخارجي المحقّق للنشوز مثل الخروج عن البيت بغير الإذن، و الإعراض عقيب مطالبة الوطي بأن يكون لها حالة الامتناع و الإعراض، و لكن لم تصل إلى مرتبة الفعليّة.

و حينئذ فنقول: إن كان النشوز الذي هو عبارة عن الحركة الحادثة الوجوديّة مانعا. فلا شكّ أن الأصل عدمها، فإن لها حالة سابقة عدميّة، إذ الخروج من البيت موقوف على الدخول فيه، و الإعراض عقيب المطالبة موقوف على المطالبة، و من المعلوم عدم تحقّق الدخول و المطالبة في حال إجراء عقد النكاح بينهما، و يشكّ في حدوث هذين الحادثين، فالأصل عدمهما.

و أمّا لو كان التمكين شرطا فلا إشكال أن التمكين بمعنى حالة الحضور و الانقياد مشكوك الثبوت من أوّل إجراء الصيغة و تحقّق الزوجيّة، لاحتمال أن يكون من الابتداء فاقدة لهذه الحالة، فليس لها حالة سابقة لا وجوديّة و لا عدميّة. و أمّا استصحاب عدمها الأزلي و جرّه إلى ما بعد زمان تحقّق الزوجيّة، فيقال: إنّ هذه الحالة لم تكن موجودة في الأزل، فالأصل بقاؤها على العدم إلى حين حصول الزوجيّة، يكون من الأصل المثبت، فإنّ الموضوع للحكم الشرعي عدم تمكين الزوجة، لا عدم التمكين المطلق، فاستصحاب عدم التمكين إلى ما بعد الزوجيّة ثمّ إثبات أنّ هذه الزوجة ليست ممكّنة مبنى على الأصل المثبت، إلّا أن يقال: إنّ الموضوع هو مجموع

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 257

هذا الأمر المقيّد أعني تمكين الزوجة للزوج، فإنّه يشكّ في أنّ هذا المقيّد هل تحقّق في الدنيا أو لا؟ فالأصل بقاؤه على العدم. و توضيح ذلك أنّه إذا كان الموضوع لوجوب النفقة تمكين الزوجة للزوج على نحو مفاد كان التامّة كان عدم هذا المعنى على نحو

مفاد ليس التامّة موجبا لعدم وجوب النفقة، و هذا نظير ما إذا وقع قيام زيد موضوعا لحكم، كأن يقال متى تحقّق قيام زيد في الدنيا فصلّ ركعتين، فإنّ هذا أعني قيام زيد يتوقّف على وجود الزيد في الدنيا و وجود القيام و وجود اتّصاف زيد به، و يكفي في تحقّق عدم قيام زيد عدم أحد هذه الأمور، فلو شكّ بعد وجود زيد في تحقّق قيام زيد لأجل الشكّ في تحقّق أصل القيام، نقول: إنّه لم يكن متحقّقا قبل وجود زيد، فالأصل بقاؤه على عدمه، و هكذا الحال في الشكّ فيه لأجل الشكّ في تحقّق الاتّصاف. و الفرق بين هذا المعنى و المعنى السابق، أنّ الموضوع هناك هو الزوجة إذا كانت ممكّنة بنحو مفاد كان الناقصة، فيفيد عدمه بنحو مفاد ليس الناقصة أيضا لإثبات عدم الأثر.

و توضيح هذا أنّه لو قيل زيد إن كان قائما فصلّ ركعتين، فالموضوع هو القيام المحمول على زيد بعد الفراغ عن وجود الزيد، فالزيد لا بدّ و أن يفرغ عن وجوده و حينئذ فيقال: إن حصل القيام لهذا المفروغ عن وجوده كان كذا، فرفع هذا الأثر إنّما هو بعدم ثبوت القيام لهذا الموضوع المفروغ عن وجوده، فإنّه كما أنّ ثبوت القيام لزيد يحتاج إلى وجود الزيد، كذلك نفي القيام عنه أيضا يحتاج إلى وجود الزيد، فإنّ مفاد كان الناقصة ثبوت شي ء لشي ء، و مفاد ليس الناقصة سلب شي ء عن شي ء، و كما أنّ ثبوت الشي ء الأوّل في الأوّل فرع ثبوت المثبت له، كذلك سلب الشي ء الأوّل في الثاني أيضا فرع ثبوت المسلوب عنه، و نظيرهما في الأمثلة العرفية وضع القلنسوة على رأس زيد و رفعها من رأسه، فكما أن وضعها يحتاج

إلى وجود الرأس، كذلك

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 258

رفع القلنسوة من رأس زيد ايضا متوقّف على وجود رأس زيد، و هذا بخلاف مفاد كان التامّة، فإنّه ثبوت الشي ء المقيّد، و مفاد ليس التامّة، فإنّه سلب الشي ء المقيّد، و الأوّل و إن كان محتاجا إلى وجود القيد و وجود الذات و وجود التقيّد، إلّا أنّ الثاني لا يحتاج إلى وجود شي ء منها، بل يمكن مع عدم الجميع، و مع عدم كلّ واحد من الأوّلين، و بعدم الأخير مع وجود الأوّلين، فلهذا لا بدّ في إحراز الحالة السابقة للنحو الأوّل، أعني مفاد كان الناقصة من إحراز وجود الموضوع للقضيّة في السابق، و بعد إحرازه من إحراز وجود المحمول أو عدمه، فإن لم يكن هذا المعنى متحقّقا فلا حالة سابقة للموضوع للحكم، كما لو لم يكن وجود المحمول محرزا في حال وجود الموضوع و لا عدمه محرزا في حال وجود الموضوع، بل كان الشكّ في وجود المحمول و عدمه ثابتا من أوّل زمان وجود الموضوع، فإنّه حينئذ لا يكون في البين حالة سابقة عدميّة و لا وجوديّة. و أمّا العدم الأزلي فاستصحابه الى زمان وجود الموضوع ثمّ حمله على الموضوع الموجود لا يتمّ إلّا على الأصل المثبت، ففي المقام لو كان موضوع الأثر و الحكم هو الزوجة إن مكّنت، كأن لسان الدليل أنّ الزوجة إن مكّنت فلها النفقة، و إن لم تمكّن فليس لها النفقة، فلم يكن شي ء من وجود التمكين و لا عدمه محرزا في شي ء من أوقات وجود الزوجة، إذ يحتمل أن تكون الزوجة من ابتداء زوجيّتها ممكّنة، و يحتمل أن تكون من ابتداء ذلك غير ممكّنة، و أمّا القول بأنّ أصل الزوجية فمحقّقة

بالوجدان فيجرّ عدم التمكين الأزلي إلى زمان وجود الزوجيّة، فيحكم بأنّ هذه الزوجة الموجودة ليست ممكّنة، فأصل مثبت، إذ يحتاج إلى واسطة يقيّد هذا الموضوع الوجداني بهذا المحمول المستصحب، و هذا بخلاف ما إذا كان الموضوع هو تمكين الزوجة للزوج، فإنّ هذا المعنى يتوقّف على وجود الزوجة و وجود الزوج، و كون الأولى ممكّنة للثاني، فبعدم أيّ منها ينعدم هذا المعنى، فيكفي

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 259

استصحاب عدمه الجائي من جهة عدم الزوج أو الزوجة لإثبات عدمه حال وجودهما.

فتحصّل ممّا ذكرنا أن ما ذكره في المسالك- من أنّ الأصل مع الزوجة لو جعلنا النشوز مانعا- و إن كان صحيحا إلّا أنّ ما ذكره من أنّه لو جعلنا التمكين شرطا كان الأصل مع الزوج ليس بإطلاقه مسلّما، بل هو مبنيّ على الوجهين المذكورين.

ثمّ هذا كلّه هو الكلام على التقدير، و أمّا الكلام في تحقيق أحد التقديرين، فهو أنّ النشوز غير مذكور في الأخبار، فالتحقيق هو شرطيّة التمكين، و الحقّ أنّه يكون على نحو مفاد كان الناقصة.

ثمّ إنّ المراد بقوله عليه السلام: (أيّما امرأة خرجت بغير إذن زوجها) «11» هل هو الخروج مع نهي الزوج، أو مع عدم التصريح بالإذن أو إحرازه بشاهد حال قطعيّ أو فحوى و إنّ لم يصرّح بالنهي و لا علم منه الكراهة، فأصل الكلام في ذلك أنّه أمّا صورة علم الزوجة بكراهة الزوج سواء كان حاصلا من نهيه أو بشاهد حاله أو بقرينة أخرى فلا إشكال في كونها داخله تحت الخروج بغير إذن، كما أنّ صورة العلم بالرضا سواء حصل من التلفّظ بالإذن، أم بشي ء آخر، كانت خارجة عنه، و أمّا صورة عدم العلم بالحال و تردّده بين الرضا و

الكراهة، أو بينهما و بين الغفلة، أو العلم بالغفلة، أو العلم بالتردّد، بمعنى أن يكون في الحال غافلا خاليا عن حالتي الرضا و الكراهة، و بعد التنبيه لا يعلم انّه يرضى أو يكره أو يصير متردّدا، أو علمت بأنّه يكون على حالة الترديد، فالظاهر أنّ جميع هذه الصور داخلة تحت الخروج بغير إذن، فتكون الإطاعة المعتبرة في الزوجة لزوجها أقوى من أطاعه

______________________________

(11) الوسائل 15/ 229.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 260

الولد للوالدين، فإنّها على ما ذكروه عبارة عن حرمة المخالفة، فإنّ من المعلوم أنّ المخالفة لا تصدق إلّا مع الإقدام على فعل علم الولد بكراهة الوالدين إيّاه، أو ترك الإقدام على فعل علم برضاهما بإيجاده، و أمّا الإقدام بدون الاطّلاع على حالهما أو مع الاطّلاع على تردّدهما فلا يسمّى مخالفة لهما. هذا.

و لكن لا بدّ من مراجعة دليل ذاك الباب، فإن كان فيه أيضا مثل ما في باب الزوجة كان الحكم هناك أيضا مثل الحكم هنا.

ثمّ إنّ حقّ الزوج على الزوجة على ما يستفاد من الأخبار حقّان:

أحدهما حقّ أن لا تخرج من بيتها إلّا بإذنه فلو نهاها عن الخروج صار الخروج عليها محرّما و إن لم يقصد الزوج بهذا النهي الاستمتاع بها، حيث يستفاد من الخبر «12» أنّ لعدم الخروج موضوعيّة، و يكون متعلّقا لحقّ مستقلّ، و ليس مراعاة لحقّ الاستمتاع.

و الآخر حقّ الاستمتاع، فمتى أراد الاستمتاع منها وجب التمكين عليها، حتّى في بعض الأخبار «13»: (و لو كان على قتب البعير).

فيجب على الزوجة إطاعة الزوج في هذين الحقّين.

ثمّ قد ورد في الخبر النبوي المرويّ عن تحف العقول الذي رواه في الوسائل في باب النشوز قوله عليه السلام: (فإذا انتهين و أطعنكم فعليكم رزقهن

و كسوتهن) «14» فقد علّق وجوب النفقة على الإطاعة، و موضوع الإطاعة قد عيّن في الأخبار الأخر في الأمرين المذكورين، فيكون المحصّل بعد ملاحظة مجموع الأخبار مع هذا الخبر، أنّه متى كانت باقية على الإطاعة في هذين كان وجوب النفقة ثابتا، و متى خالفت في أحدهما سقط وجوب النفقة

______________________________

(12) الوسائل 15/ 229.

(13) الوسائل 14/ 112.

(14) الوسائل 15/ 230.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 261

حتّى انتهت و رجعت و تابت.

ثمّ بعد ما عرفت من أنّ للخروج موضوعيّة و استقلالا في تعلّق الزوج، فلو نهاها عن السفر المباح صار محرّما، و لو كان السفر مستحبا بالذات انقلب إلى التحريم، و صار حراما بالعرض، و كذلك لو كان السفر واجبا موسّعا، كما لو نذرت السفر إلى الزيارة و قلنا بأنّه ينعقد، فأرادت السفر في عام معيّن، فنهاها عن السفر في هذا العام، يصير السفر معصية، و ذلك لما حقّق في الأصول في مبحث اجتماع الأمر و النهي، من أنّه إذا كان لأحد التكليفين مندوحة كان هو مقيّدا جمعا بين الغرضين، فإذا نهيت عن السفر صار هذا السفر محرّما عليها تعيينا، و الأمر النذري يكون مقتضيا لأحد الأفراد، فله بدل، نظير الصلاة في الأرض المغصوبة، و لا يلاحظ الأصلح، إذ ليس من باب المزاحمة، لإمكان الجمع، فيقيّد ذو البدل و إن كان أهم و أصلح بمراتب من الآخر الذي لا بد له.

هذا هو الكلام في نهي الزوج للزوجة في خصوص حقّ الخروج.

و أمّا في خصوص حقّ الاستمتاع، فنقول لو أرادت الزوجة الصلاة في أوّل الوقت، و أراد الزوج في قبالها الاستمتاع، فعند ذلك يجب عليها التمكين مضيّقا، فيكون مقدّما على الصلاة التي هي واجبة على التوسيع، لكن لو

عصت و أتت بفعل الصلاة، فهل يصحّ الصلاة مع العصيان أو تبطل معه، وجهان مبنيّان على ما هو الحقّ في مسألة الضدّ، فإنّ التمكين الذي يجب على الزوجة بنفس إظهار الزوج لإرادة الاستمتاع موضوع وجوديّ، و هو الجماع، و الصلاة التي هي مأمور بها على التوسيع موضوع وجوديّ و أفعال مخصوصة أخر غير الأوّل و هما لا يمكن اجتماعهما، بل يتنافيان، فإنّ الجماع من منافيات الصلاة و مبطلاتها، فيكون من الأضداد الخاصّة للآخر، لكونهما أمران وجوديّان لا يمكن الجمع بينهما، فيكون من

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 262

قبيل إزالة النجاسة عن المسجد و الصلاة في سعة الوقت، فإن قلنا بأنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن الضدّ صارت الصلاة محرّمة منهيّا عنها، فتصير فاسدة باطلة، لاقتضاء النهي في العبادة الفساد، و إن قلنا بعدم الاقتضاء، كانت الصلاة صحيحة، و لكنّها عاصية بترك التمكين الواجب عليها فورا.

و لو اشتغلت بالصلاة، فأراد الاستمتاع في أثناء صلاتها بنى المسألة على جواز رفع اليد عن العبادة بعد الشروع فيها و عدمه، فإن قلنا بالجواز كان من قبيل الواجب الموسّع، و إن قلنا بعدم الجواز كان الصلاة واجبا مضيّقا، إذ يجب إتمام هذا الذي بيدها، و هذا التكليف مضيّق، و قد مرّ أن حقّ الزوج لا يزاحم الواجب المضيّق من حقوق اللّٰه تعالى.

هذا كلّه فيما إذا كان إرادة الزوج في قبال إرادة الزوجة للصلاة متعلّقة بالاستمتاع، و أمّا لو كان له إرادة غير هذه الإرادة في قبال إرادتها الصلاة في أوّل الوقت، فهذا نظير أوامره و نواهيه في سائر المواضع بالأمور المباحة من دون مقدّمية للاستمتاع، فإنّه لا دليل على ثبوت الحقّ له على الزوجة في هذه، فالإطاعة الثابتة

في هذا الباب إنّما هي محدودة و ثابتة في الأمرين المخصوصين فقط، و ليس نظير إطاعة الوالدين في الولد.

و بالجملة فالثابت تحريم كلّ فعل مباح أو مستحبّ أو واجب موسّع على الزوجة كان هذا الفعل مانعا عن استيفاء الزوج حقّ الاستمتاع عقيب إرادته، و أمّا إذا لم يكن نهيه لأجل استيفاء هذا الحقّ و الرغبة إليه، فلم يدلّ دليل على وجوب إطاعته حتّى في المباحات. هذا كلّه في الصلاة.

و أمّا الصوم المندوب أو الواجب الموسّع، فلو أراد الاستمتاع عند الطلوع أو في أثناء الصوم، بشرط كونه قبل الزوال، لو كان الصوم قضاء رمضان الموسّع، و مطلقا لو كان مندوبا، كان الصوم حينئذ باطلا بلا كلام.

و الفرق بين إرادته الاستمتاع في قبال إرادتها الصوم، و بين إرادته

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 263

الاستمتاع في مقابل إرادتها الصلاة في أوّل الوقت، هو أنّ التمكين هنا عين إفطار الصوم، فإنّ من جملة مفطراته الجماع، فلا يكون التمكين هنا من الأضداد الخاصّة كما هناك، بل يكونان من قبيل النقيضين، فإنّ الصوم عبارة عن جملة تروك منها ترك الجماع، و التمكين هو فعل الجماع، فمرجع الأمرين في الحقيقة هنا إلى: أمسك و أفطر، فيكون من باب اجتماع الأمر و النهي، و يكون فاسدا، فإنّ رجحان الفعل لا يلائم مع رجحان الترك الذي به قوام العبادة التي هي الصوم، و أمّا هناك فقد قلنا إنّ الصلاة مع التمكين أمران وجوديّان، لا يمكن الجمع بينهما، فيكونان من قبيل الأضداد الخاصّة، كما يكون الصوم مع التمكين هنا من الضدّ العامّ، و طلب الفعل مع طلب الترك، و على هذا فبمجرّد إظهار الزوج إرادة الفعل يبطل صوم الزوجة و إن لم يشتغل، لأنّ

العزم على الإمساك المعتبر في الصوم في كلّ زمان، يتبدّل في هذا الزمان بالعزم على الخلاف.

هذا كلّه فيما إذا علمت من حال الزوج إرادة الاستمتاع في الابتداء، أو في الأثناء، و أمّا لو علم من حاله عدم انقداح هذه الإرادة له لا في الابتداء و لا في الأثناء إلى آخر اليوم، كما لو كان مريضا غير قابل للوطئ و حينئذ فبمجرد نهيه عن الصوم المندوب لا يحصل البطلان، فضلا عن الواجب الموسّع، و ذلك لما سمعت من عدم ثبوت حقّ له على الزوجة ممّا سوى الحقّين المذكورين. هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه.

و إنّما الكلام و الإشكال فيما إذا احتملت الزوجة انقداح الإرادة في نفس الزوج في أثناء الصوم، فإنّه مع احتمال ذلك تحتمل أن يجب عليها فعل الجماع في أثناء اليوم، و مع هذا كيف يمكن أن يتحقّق منها العزم على ترك فعله إلى الغروب، فإنّه يتوقّف حصول هذا العزم على القطع بعدم حصول تلك الإرادة، و أمّا مع احتمال حدوثها فيمتنع تحقّق العزم و النيّة بلا فرق بين

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 264

هذه الصورة و صورة القطع بحصول الإرادة فيما بعد، فكما لا يمكن مع هذا القطع العزم على الصوم الذي هو تروك منها ترك الجماع، فكذلك مع احتمال حصولها أيضا، فيلزم بطلان الصوم المندوب أو الواجب الموسّع مع هذا الاحتمال، لعدم تمشّي العزم على التروك إلى الغروب المعتبر في الصوم معه.

لا يقال: فما تقول في من يقطع في شهر رمضان مع كونه في وطنه بحصول المسافرة له في أثناء اليوم، أو المرأة التي تقطع بحدوث الحيض لها في أثناء اليوم و هكذا سائر الأعذار التي يعلم بتحقّقها في أثناء اليوم،

فإنّه لا إشكال في وجوب الإمساك في نهار شهر رمضان قبل حصول هذه الأعذار، و أيضا قلّما يتّفق أن يدخل الإنسان في العبادة. و هو لا يحتمل حدوث مانع في الأثناء من الموت أو المرض أو نحوهما، مع تمشّي النيّة منه بلا إشكال.

لأنّا نقول: أمّا ما ذكرت أوّلا من صوم شهر رمضان فقد ورد النصّ الخاصّ فيه بوجوب الإمساك، فنحن متعبّدون بالإمساك صوما كان أم غير صوم، فالحاسم للإشكال فيه هو النصّ، و إلّا فالإشكال كان مطّردا فيه أيضا، فلا ينبغي قياس غيره الذي لم يرد فيه نصّ عليه.

و أمّا الثاني من احتمال حدوث بعض الموانع، فهذه الاحتمالات غالبا تكون منفيّة بأصل عقلائي مثل أصالة الصحّة و نحوها، و من المعلوم عدم وجود الأصل في المقام، أعني احتمال إرادة الاستمتاع.

و بالجملة لا إشكال في عدم تمشّي العزم في صورة الاحتمال.

نعم يمكن تحقّق العزم التقديري بمعنى أنّه لو لم يتحقّق المانع أو الأمر الفلاني كان عازما على الإمساك، و هذا أقصى ما يمكن لها من الجزم فالشأن إثبات كفاية العزم التقديري في الصوم و سائر العبادات، و تحقيق المقام يبتني على تمهيد كلام في هذا المقام فنقول:

اعلم أنّ حقيقة الصوم و ما هو مسمّاه عبارة عن التروك المخصوصة

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 265

المحدودة ابتداء بطلوع الفجر و انتهاء بالغروب، كما أنّ مسمّى الصلاة عبارة عن أفعال مخصوصة أوّلها التكبيرة و آخرها التسليمة، و من المعلوم أنّ هذه التروك الخاصّة يمكن أن يقع بدون العزم كالأفعال الصلاتية كما يمكن وقوعها مع العزم، فاعتبار العزم فيهما ليس لأجل دخله في موضوعهما و مسمّيهما، بل إنّما هو لأجل اتّصافهما بالعباديّة، لوضوح توقّفها على النيّة، فلو صدر الإمساك

الخاصّ أو الأفعال المخصوصة بلا عزم لما كانت صحيحة و إن كانت صوما أو صلاة، فعلم أنّ العزم خارج عن مسمّى الصوم و الصلاة، و معتبر فيهما، و لا بدّ وجوده معهما، بل العزم و النيّة على القول الصحيح أيضا ليس من أجزائهما و شطورهما، ذلك لما قرّر في محلّه من عدم إمكان أخذ النيّة و العزم في المأمور به.

إذا تحقّق أنّ أصل قوام الصوم بنفس التروك التي مبدؤها الفجر و منتهاها الغروب، و العزم خارج عن مقوّمات مفهومه و أجزائه، فاعلم أيضا أنّا قد تلقّينا من الشارع المقدّس كبرى كلّية في باب العبادات، و هو أنّ الأمر العبادي لا يسقط إلّا بالإتيان بها على وجه يوجب قرب الفاعل عند المولى، و لا يسقط بنفس فعلها مجرّدا عن ذلك كما في التوصّليات، و صحّحناه في مقامه بأيّ وجه صحّحناه، إمّا بالأمرين أو بغيره، و المراد بكون الإتيان على وجه يوجب القرب عند المولى ليس صيرورة الفاعل بفعل العبادة ذا حقّ واجب على اللّٰه، بل هو كون الفاعل المذكور في نظر المولى ممتازا عن تارك هذا الفعل، و مجرّد عدم مساواتهما في نظره بمعنى أنّ المولى إن صار بصدد الإنعام و الإفضال كان هذا الفاعل أحقّ و أولى بالإنعام من ذاك التارك، لا أنّه يصير ذا حقّ على اللّٰه، و يوجب فعله إنعام اللّٰه في حقّه بحيث لو لم ينعم اللّٰه عليه كان تاركا لواجب.

ثمّ بعد تلقّي أصل مادّة العبادة و ما به قوامها و كيفيّة عملها من

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 266

الشارع، و تلقّي هذه الكبرى منه أيضا، يكون تعيين أنّ الإتيان بهذا العمل بأيّ نحو يوجب كونه موجبا للقرب يكون مدركه العقل،

و إن كان العقل لا سبيل له إلى تعيين طريق تحصيل أصل تعظيم اللّٰه تعالى و تسبيحه و تقديسة و تحميده، و أنّ أيّ عمل يليق بساحة هذا المولى، فلا بدّ من بيان نفس العمل من جانب المولى، و لكن بعد إحراز العمل الذي يحصل به تسبيح اللّٰه و تقديسة و تحميده و تمجيده و ثناؤه، و إحراز الكبرى المذكورة، يكون تشخيص مصداق المقرّب من حكم العقل، فعلى هذا لا بدّ من إتيان العمل العبادي على وجه يحكم العقل بكونه مقرّبا بالمعنى المذكور.

إذا عرفت ذلك فنقول: لا شبهة و لا إشكال في أنّه كما يكون الإمساك عن المفطرات بقصد جزمي خال عن التزلزل و الترديد قربة إلى اللّٰه تعالى بنظر العقل موجبا للقرب، كذلك لو لم يكن له حالة الجزم، بل كان في نفسه التزلزل و الترديد، و احتمل عدم إتمام الإمساك إلى الغروب لأجل طروّ المانع، مثل المرض، أو احتملت الزوجة إرادة الزوج للاستمتاع منها في أثناء اليوم، و لكن مع ذلك دخل في الصوم و كان قصده الترك للمفطرات لرضا اللّٰه تعالى إن شاء اللّٰه و لعلّه صار موفّقا بإتمامه إلى الغروب، فاتّفق عدم حصول المانع إلى الغروب، فلا إشكال في أنّه بحكم العقل ممتاز عن غيره الذي يفطر الصوم، بمعنى أحقّيته بإنعام المولى عند إرادة المولى للإنعام من الآخر التارك.

و على هذا فيتّضح الحال في كلّ موضع لم يكن فيه القصد القربى على وجه الجزم و عدم التزلزل في النفس، في كون المأتي به نفس المطلوب و المأمور به كما في العبادات الاحتياطيّة التي يؤتى بها بقصد الاحتياط مع انتقاء الجزم فيها لاحتمال كون المأمور بها غيرها و كونها لغوا. و وجه

عدم الإشكال، أنّ نفس إتيانها برجاء كونها المطلوب الواقعي يوجب كونها مقرّبة، و صيرورة

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 267

فاعلها غير مندرج مع تاركها في درجة واحدة عند المولى، و هذا هو الجزم التقديري الذي قلنا إنّه أقصى ما تتمكّن منه الزوجة في صومها في المقام، و ليس لها على أزيد من ذلك تمكّن.

ثمّ إنّ الجزم التقديري إنّما يكون كذلك بحكم العقل فيما كان مقرونا بالرجاء المذكور، و أمّا فيما كان التقدير منافيا للرجاء، فيلزم فيه البطلان، مثل أن يقصد الصوم إن لم يستدع فلان منه الإفطار، فإن استدعى أفطر، فإنّ هذا الترديد في نيّته مناف للرجاء، و يوجب عدم حصول القرب، فلو أتمّ الصوم بهذا القصد لم يكن مقرّبا بحكم العقل، و لا مزيّة له على غير الصائم.

نعم لو كان ترديده ذلك لا بداعيه النفساني، بل لأجل الوصول إلى غرض آخر للشارع، بأن كان من قصده أنّه إن استدعى فلان أفطر صومه لكونه إجابة له و بذلك يحصل غرض للمولى و إن فات غرض آخر له، و إن لم يستدع يتمّ الصوم لإحراز الغرض الآخر، فإنّ هذا ليس منافيا للرجاء، و كون الفعل مقرّبا.

بقي الكلام في بعض الفروع الأخر و هي صورة تعليق الإفطار على أمور خارجة عن قدرته مع عدم علمه بحصولها و لا عدمها عند الطلوع، فنوى الصوم معلّقا على حصول هذا الأمر أو عدم حصوله، مثل أن يصوم الغد إن كان الغد يوم جمعة، و عزم على الإفطار إن ظهر كونه غير يوم الجمعة، فلم يستعلم و نوى الصوم بهذا التعليق، أو علّق الصوم على قدوم ولده مع عدم علمه بأنّه يقدم أو لا.

و الكلام في هذه مبني على أنّه

هل يكفي الإتيان بالرجاء في العباديّة و المقرّبية مع التمكن على العزم على وجه الجزم الفعلي، أو أنّه لا بدّ من إعمال الجزم مهما تمكّنه، و ذلك مثل ما لو علم إجمالا أنّ الواجب عليه إمّا الظهر أو الجمعة، و يمكّنه رفع الشكّ و تحصيل العلم بالتعيين، فلم يحصّله و أتى بهما

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 268

معا، بأن يأتي بكلّ برجاء الوجوب الواقعي.

و الحقّ في هذه المسألة على ما يقتضيه نظر العقل أنّه ربّما يكون عدم تحصيل الجزم لغوا بحيث يسقط العبادة عن كونها عبادة، مثل أن يكون رفع الشكّ ممكنا بأسهل وجه، مثل السؤال عمّن بحضوره فلم يسأل و أتى بصلاتين، فإنّ هذا يعدّ من اللغو، فلا يصلح عبادة، و أمّا لو كان له داع عقلائي مثل كون المشقّة في تحصيل العلم، أو الحزازة في السؤال عمّن بحضرته فلا إشكال في كونه عبادة، فكذلك فيما نحن فيه أيضا، فإنّ الصائم متمكّن من رفع التعليق في نيّته و تبديله بالجزم الفعلي، إمّا بالاستعلام عن حال شرط و أنّه يحصل فينوي عن جزم أو لا فلا ينوي، أو لا يستعلم و لكن يقصد الصوم على كلّ تقدير، أتى ولده أم لا، كان الغد جمعة أو لا، فإن كان العدول عن هذا إلى نيّة التعليق معدودا من اللغو فليس بعبادة، و إن كان في ذلك داع عقلائي بحيث خرج عن اللغويّة فلا إشكال في أنّ فعله أيضا بنظر العقل يوجب امتيازه عمّن يترك الصوم بالمرّة و إن كان أدنى مرتبة ممّن يصوم و ينوي الصوم على جميع التقادير.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 269

المطلب الثاني

اشارة

لا إشكال و لا كلام نصّا و فتوى في أنّ المطلّقة

الرجعيّة يجب نفقتها على المطلّق كالزوجة، سواء قلنا بأنّ صيغة الطلاق مؤثّرة بنفسها في قطع علقة الزوجيّة، غاية الأمر أنّه يجوز للزوج ما لم ينقض مدة العدّة الرجوع، أو قلنا بأنّ المؤثّر في ذلك مجموع الصيغة و انقضاء العدّة، كما هو محلّ الكلام في باب الطلاق، نظير الخلاف الواقع في البيع الخياري بين شيخ الطائفة قدّس سرّه و غيره و تظهر ثمرته في مقام آخر.

على أيّ حال لا إشكال في أنّ هذه النفقة نفقة الزوجة شروطا و كيفيّة و كميّة، فكما أنّ نفقة الزوجة تسقط بالنشوز و يعود بالرجوع، كذلك هذه.

و كما أنّها تكون دينا على الزوج لو عصى و لم يؤدّها فيجب عليه القضاء و التدارك و كذا لو كانت الزوجة موسرة ينفق على نفسها من مالها، أو تبرّع بالإنفاق عليها متبرّع، على خلاف نفقة القريب حيث إنّها على فرض العصيان و ترك أدائها ليس لها تدارك و قضاء. و كذا مع فرض اليسار ليس لها موضوع، و على فرض التبرّع تكون ساقطة.

كذلك يكون على خلاف هذه النفقة نفقة الرجعيّة.

و كما أنّ نفقة الزوجة مقدّرة بحال الزوج سعة و ضيقا على خلاف نفقة القريب فكذا هذه.

كما أنّه لا إشكال في أنّ المطلّقة البائنة، بل مطلق البائن و لو كان بفسخ أو لعان أو ارتداد الزوج عن فطرة ليس لها على الزوج نفقة.

و لا إشكال أيضا في أنّه يجب على الزوج المطلّق أن ينفق على المطلّقة البائنة إذا كانت حاملة مدّة حملها في الجملة. و يدلّ على ذلك من الكتاب قوله تعالى في ذيل آية أحكام المطلّقات أعمّ من الرجعيّات و البائنات

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 270

وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ

حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «15». و من السنّة عدّة من الأخبار «16» و بالجملة فلا كلام في وجوب نفقتها ما دام الحمل على المطلّق في الجملة، و إنّما الكلام في أنّه هل هذه النفقة للحمل أو للحامل، و يقع بعد ذلك الكلام في مسألة أخرى و هي أصل ثبوت النفقة للحامل المتوفّى عنها زوجها و عدمه، فهنا مقامان من الكلام:

أمّا المقام الأوّل:

اشارة

فاعلم أنّه يمكن تصوير هذا النزاع بوجهين:

الأوّل أن يقال:

إنّ المنفق عليه حقيقة هل هو الحمل أو المرأة الحاملة، بمعنى أنّ الحمل لما يكون قريبا للمطلّق و ولدا له فيجب عليه الإنفاق عليه كما على سائر الأقرباء الواجبي النفقة، غاية الأمر أنّ هنا يجب أن يعطى الطعام و الكسوة للمرأة مقدّمة لتعيّش الحمل الذي في بطنها، أو أنّه ليس الإنفاق على المرأة لأجل المقدّميّة، بل لنفسها، بمعنى أنّ الحمل صار سببا لأن يلحقها حكم الزوجة.

فالنفقة على الأوّل نفقة القريب، و على الثاني نفقة الزوجة، و لازم الأوّل أن تكون النفقة دائرة مدار يسار الحمل و إعساره، كما هو الحال في نفقة الأقارب، و أن يكون واجبة على الجدّ على فرض إعسار الأب و يسار الجدّ، و لكن ليس هذان ممّا اتّفق الإجماع على خلافهما حتّى يجعلا تاليين فاسدين للوجه الأوّل، فإنّه حكى التزام شيخ الطائفة قدّس سرّه بهما. و لكن على الثاني ليست دائرة مدار يسار الحمل و إعساره، و لا واجبة على الجدّ عند يساره مع إعسار الأب.

و كذا لازم الأوّل فيما إذا تزوّج حرّ بأمة مع اشتراط مولاها رقّ الولد،

______________________________

(15) سورة الطلاق، الآية: 6.

(16) الوسائل 15/ 230.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 271

و قلنا بصحّة هذا الشرط، ثمّ أبانها حاملا، أن لا يكون النفقة على الزوج، فإنّ نفقة القريب الرقّ إنّما هي على سيّده، و لازم الثاني ثبوتها.

و تظهر الثمرة أيضا في وجوب القضاء و التقدّر بحال الزوج، فينتفيان على الأوّل و يثبتان على الثاني.

و الثاني

من وجهي النزاع أن يقال: إنّ المنفق عليه حقيقة هو المرأة دون الحمل، فلا يكون دائرا مدار يسار الحمل و إعساره، و لا واجبة على الجدّ مع يساره و إعسار الأب، و لا يلزم سقوطها في صورة

تزويج الحرّ بأمة مع شرط مولاها رقّ الولد ثمّ إبانتها حاملا، إلّا أنّ السبب في وجوبها لا إشكال في أنّها ليست هو الزوجيّة و الّا لوجبت في الحائل أيضا، بل السبب هو القرابة، فلأجل هذا يشكّ في أنّه هل يلحق بهذه النفقة حكم نفقة الزوجة في القضاء و التقدّر بحال الزوج، أو يلحق لها حكم نفقة القريب في عدمها.

أمّا النزاع على الوجه الأوّل، فأرى أنّ الأدلّة ظاهرة غاية الظهور في كون النفقة للحامل دون الحمل، أ ترى أنّ قوله تعالى فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «17» ليس على سياق الأدلّة الدالّة على وجوب الإنفاق على الزوجة. هذا مضافا إلى إطلاق الأدلّة لصورة يسار الحمل و لصورة تزويج الحرّ الأمة المذكورة، و يلزم على القول بكونها للحمل تقييد الإطلاق في هاتين الصورتين بلا دليل. و بالجملة فلا ينبغي لمن نظر أدلّة الباب و تأمّل فيها أدنى تأمّل أن يحتمل كون النفقة للحمل المزبور.

و أمّا الكلام في النزاع على الوجه الثاني، فلا بدّ هنا من الكلام في الكبرى، ثمّ التكلّم في تشخيص صغريها في المقام. أمّا الكبرى فهي أنّه متى تعلّق الإيجاب على المال على مكلّف بالنسبة إلى آخر فقيل: يجب عليك أن

______________________________

(17) سورة الطلاق، الآية: 6.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 272

تعطي المال و تنفق على فلان، و تتحمّل مخارجه و مؤنته، فهذا ظاهر في حدوث حقّ عليك لهذا الآخر، فلو عصيت و لم تؤدّ حقّه إليه كانت ذمّتك مشغولة بحقّه، يجب عليك التدارك و الأداء، و له مطالبته متى شاء، و هذا بخلاف ما إذا تعلّق الإيجاب أوّلا بعنوان آخر غير إعطاء المال، و صار عنوانه الثانوي إعطاء المال، مثل أن يقال: وجب عليك

سدّ خلّة فلان، بمعنى أنّه إذا عرض عليه حالة الجوع فيجب عليك رفعها بأيّ وسيلة كانت، و بعبارة أخرى يجب عليك قطع لسانه و إملاء فمه عند انفتاحه لغاية الجوع، فإن هذا ليس ظاهرا في حدوث الحقّ لهذا الفلان على المخاطب، بل هذا تكليف من التكاليف موضوعه خلّة الفلان و غاية جوعه، و هذا تكليف مضيّق ممتدّ ما دام بقاء الحياة، فإن عصى المخاطب و مات هذا الفلان فقد انتفى الموضوع، فلا يمكن ثانيا تدارك سدّ خلّته و إملاء بطنه و إسكاته و تسكينه، كما أنّه متى كانت الحياة باقية لا يتعيّين الخروج عن عهدة هذا التكليف بإعطاء المال، بل الواجب هو تسكين الجوع و سدّ الخلّة بأيّ نحو كان، و لو بإعمال منتر أثّر في تسكينه لو كان المخاطب من أهل ذلك.

و باب نفقة الزوجة على الزوج من القبيل الأوّل، فإنّ لسان الأدلّة هو وجوب الإنفاق عليها على الزوج، فالوجوب قد تعلّق أوّلا بإعطاء المال، فلهذا حكم فيه بالثبوت في العهدة على تقدير العصيان أو تحمّل نفسها نفقتها، أو تبرّع متبرّع بالإنفاق عليها، و لا ينافي ذلك ما في بعض الأخبار «18» من التعبير بسدّ الجوعة، فإنّه في مقام تعيين مقدار النفقة بعد الفراغ عن أصل وجوبها، و فرق بين التعبير بأمثال هذه اللفظة في مقام بيان المقدار، و بين التعبير بها في مقام أصل ثبوت الحكم. و نفقة الأقارب من القبيل الثاني، فإنّ

______________________________

(18) الوسائل 15/ 226.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 273

لسان الأدلّة هناك أنّه يجب على القريب سدّ خلّة القريب العاجز، فلهذا حكموا بعدم صيرورته دينا على تقدير العصيان، أو عدم عجز القريب، أو تبرّع المتبرّع. فتحقّق من جميع ما ذكرنا

أن الأصل في الحقوق الماليّة هو ثبوت القضاء حتّى يثبت المخرج.

إذا تقرّر ذلك فنقول في مقام بيان الصغرى: إنّ الظاهر من أدلّة الباب هو كونه حقّا ماليّا، لأنّ تعلّق التكليف فيها هو بذل المال كما في قوله تعالى فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ «19» و كذا قوله في رواية أبي بصير: «الحبلى المطلّقة تنفق عليها حتّى تضع حملها» «20» و مثله بعينه رواية الحلبي «21» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، و في رواية الكناني «22» عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: «إذا طلّق الرجل المرأة و هي حبلى أنفق عليها حتّى تضع حملها» و أوضح من هذا كلّه في كون النفقة هنا على حدّ نفقة الزوجة دون القريب، قوله عليه السلام في رواية محمّد بن قيس «23»: «الحامل أجلها أنّ تضع حملها و عليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها» من حيث تقييده بالمعروف، فإنّ المراد به هو التقدّر على حسب حال المنفق الذي هو من مختصّات نفقة الزوجة.

هذا كلّه مضافا إلى شهادة الاعتبار أيضا بكون النفقة من باب نفقة الزوجيّة، فإنّ الزوج هو الذي ملأ بطنها و جعلها ذات حمل، فعليه أن يتحمّل مخارجها ما دامت تحمل حمله الذي حمّله إيّاها و بضميمة هذا الاعتبار

______________________________

(19) سورة الطلاق، الآية: 6.

(20) الوسائل 15/ 231.

(21) الوسائل 15/ 231.

(22) الوسائل 15/ 231.

(23) الوسائل 15/ 231.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 274

العرفي أيضا يقوى ظهور الأدلّة فيما ذكرنا.

على أنّه يرد على القول الآخر لزوم كونها غير مقدّرة بحال الزوج، مع أنّ النصّ المشتمل على التقييد بالمعروف ناصّ بخلافه، مضافا إلى كون خلافه مجمعا عليه على ما يستظهر من كلماتهم، حيث إنّهم جعلوا ذلك من التوالي الفاسدة لهذا

القول، و من المعلوم أنّه لو لا كونه مجمعا عليه لما تمّ كونه تاليا فاسدا.

مع أنّ ما جعلوه تاليا فاسدا لما اخترناه ليس بفاسد، فإنّهم ذكروا ما حاصله: إنّه لو كان الأمر كما زعمتم لما صحّ دوران النفقة وجودا و عدما مدار الحمل، فإنّك عرفت في طيّ ما ذكرنا من أنّ وجود الحمل إنّما هو لتحقّق الموضوع، فإنّ الموضوع هو المرأة الحامل، و من المعلوم توقّف تحقّقها على وجود الحمل.

مضافا إلى أنّ ما علّل به القول الآخر عليل، و هو أنّه كما أنّ الحمل في حال الانفصال يكون واجب النفقة على أبيه، فكذا حال الاتّصال و وجوده في بطن الأمّ، فيجب أيضا نفقته على أبيه، فهذا شاهد على أنّ الأدلّة في المقام إنّما هي في مقام إثبات نفقة القريب.

فإنّ فيه أوّلا عدم تسليم أصل القياس المذكور، فإنّ الموضوع في أدلّة وجوب نفقة القريب منصرف إلى القريب الموجود بوجود مستقلّ، و بعبارة أخرى متولّد عن الأمّ، فلا يشمل حال الاتّصال، فقياسه بحال الانفصال قياس مع الفارق.

و ثانيا: لو سلّمنا تعميم الحكم للحمل المتّصل أيضا كما ربّما يشهد لذلك نصّ الأصحاب بأنّ نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها في مال الحمل،

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 275

و ورد بذلك الخبر «24» أيضا، إذ يعلم منه أنّ الشارع قد اعتبر الحمل في حال الاتّصال أيضا قريبا فجعل لامّه حقا في ماله عند احتياجها و تموّله، فيكون مشمولا للقريب العاجز أيضا، فيجب على الأب الإنفاق عليه حال عجزه.

نقول: لا منافاة لذلك أيضا مع ما ذكرنا، فإنّ مقتضى العمل بظواهر أدلّة الباب مع هذا القول أن يكون هناك حقّان على الزوج: الأوّل حقّ المرأة عليه، و الثاني حقّ الحمل عليه، و

لا اختصاص لذلك بهذا المقام، بل يجري في الزوجة و المطلّقة الرجعيّة الحاملين أيضا. فحينئذ قد يجتمع الحقّان فيكون أحدهما معدما لموضوع الآخر، فإنّ الرجل إذا أنفق على المرأة باعتبار حقّها انعدم موضوع حقّ الحمل، فإنّه يوجد له حينئذ منفق آخر غير الأب و هو الأمّ، فإنّ نفقة القريب تسقط بوجود المنفق. و قد يفترقان و هو فيما إذا سقط حقّ الحمل بواسطة يساره و تموّله، فإنّه على ما ذكرنا بقي حقّ أمّه بحاله و الإنصاف أنّ هذا التعليل أليق بالقول بكون النفقة للحمل على الوجه المتقدّم من وجهي النزاع.

و اما المقام الثاني

أعني ثبوت النفقة للحامل المتوفّى عنها زوجها فقد قال المحقّق في الشرائع فيه روايتان: أشهرهما عدم الإنفاق.

أقول: روايات عدم الإنفاق بينها الصحيح و الحسن، و لها إطلاق بالنسبة إلى أصل المال و نصيب الحمل، فهي ناصّة في أنّه لا نفقة للحامل المذكور في مال المتوفّى، لا في أصله و لا في خصوص حصّة الحمل، و ليست بناظرة إلى نفقة الأقارب، فهي بشروطها ثابتة، بمعنى أنّه لو ثبت مال للحمل من جهة غير هذه الجهة كوصية و نحوها، و كانت الأم فقيرة، كان نفقتها في مال الحمل من باب نفقة الأقارب، و أمّا من حيث هذه الحصة

______________________________

(24) الوسائل 15/ 236.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 276

الحاصلة للحمل من مال المتوفّى إرثا فلا نفقة لها فيها، فإنّ ماليّتها للحمل مشروطة بسقوطه حيّا، فليس العزل إلّا لأجل مجرّد الاحتياط.

نعم لو أحرز أنّ الشارع أعطاه حكم مال الحمل، أمكن ان يقال بأنّه في صورة فقر الأم ينفق عليها من هذه الحصة المعزولة، فإن سقط الحمل حيا يحسب عليه، و إلّا استردّ من الأم ما أنفق عليه، و لكن

لم يحرز ذلك و إنّما احتاط الشرع بعزل المال للحمل، و أمّا أنّه جعل له حكم ماله فلا، و إذن فهو مال مردّد بين أن يكون مالا للحمل، و ان يكون مالا لسائر الورثة، فيكون شبهة موضوعية، و يكون وجوب الإنفاق مرفوعا.

و الحاصل أنّ نفقة الأقارب أيضا، مقتضى القاعدة عدم ثبوتها هنا في الحصّة، كما أنّ مقتضى الطلاق نصوص الباب عدم ثبوت النفقة بقول مطلق، سواء في أصل المال، أم في خصوص الحصة، و سواء كانت غنيّة أم فقيرة.

نعم في بعض النصوص بعد سؤال السائل عن المتوفّى عنها زوجها (ا لها نفقة؟ قال: لا ينفق عليها من مالها) «25» و هذا و إن كان يحتمل فيه أن يكون كلمة «لا» مربوطة بما بعدها، فيكون المقصود أنّه ليس نفقتها في مال نفسها، يعني لا بدّ من الإنفاق عليها من مال غيرها، و أمّا أنّه مال المتوفّى أو مال الولد فلم يكن المقام مقام بيانه، بل كانت المصلحة عدم التعرّض و السكوت من جهته. و ربّما يقرّب هذا الاحتمال عدم الإتيان بالواو فيما بين «لا» و «ينفق» فإنّ هذا من الشائع في المحاورات عند عدم ارتباط النفي بما بعده، ألا ترى في جواب الأصاغر عن سؤال الأكابر، حيث يقولون في مقام الجواب بالنفي:

لا و أصلحك اللّٰه بإتيان الواو، لئلّا يشبه الكلام بما يفيد ضدّ المقصود، و هو

______________________________

(25) الوسائل 15/ 235.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 277

الدعاء بعدم الإصلاح، إلّا أنّه من القريب، أن يكون المراد الجواب بعدم النفقة، و أنّ نفقتها في مال نفسها، و سقطت كلمة الواو من قلم الرواة فيكون مساوقة لسائر نصوص الباب.

و هنا رواية أخرى «26» تدلّ على أنّ نفقتها في مال

الزوج المتوفّى، و ربّما يوجّه بخصوص نصيب الحمل، و لكن لا شاهد عليه إذ لا ذكر للولد في الرواية، و لا مرجع للضمير فيها سوى الزوج، و على هذا فتكون الرواية من الشواذّ التي لم يعمل بها أحد، فإنّ المحكيّ عنهم القول بثبوت النفقة يقولون بها في مال الحمل، و أمّا في أصل مال الزوج فهو مفقود القائل، على ما يظهر من كلامهم، و إذن فلا معارضة لهذه مع ما تقدّم و إن كانت صحيحة.

بقي الكلام في ما استدلّ به لثبوت الإنفاق

، و هو روايتان:

الأولى «27» ما رواه محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن الفضيل، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام قال: (المرأة الحبلى المتوفّى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها).

و الأخرى «28» موثّقة السكوني عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، عن أمير المؤمنين، صلوات اللّٰه عليهم، قال: (نفقة الحامل المتوفّى عنها زوجها من جميع المال حتّى تضع).

و قد يخدش في الأولى بالقدح في سندها لاشتماله على محمّد بن فضيل، و هو مشترك بين محمّد بن القاسم بن الفضيل الثقة، و بين الآخر الضعيف.

أقول: و يمكن تحصيل الوثوق بكونه محمّد بن القاسم بن الفضيل من أمرين: الأوّل: رواية محمّد بن إسماعيل بن بزيع عنه، و هو من الأجلّاء،

______________________________

(26) الوسائل 15/ 235.

(27) الوسائل 15/ 236.

(28) الوسائل 15/ 236.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 278

و أجلّ شأنا من أن يروى عن الضعيف، و الثاني ما حكى من أنّ الصدوق أفتى بمضمونها و عمل عليها. هذا حال هذه الرواية.

و أمّا الأخرى فالسكوني موثّق، مضافا إلى اشتمالها على عبد اللّٰه بن المغيرة، و هو من أصحاب الإجماع.

و إذن فالخدشة في سند الروايتين أظنّ أنّه لا

وجه لها، و حينئذ فلا بدّ من الجمع بينهما و بين الطائفة الأولى.

فنقول: أمّا الأولى فوجه الجمع بينها و بين ما تقدّم واضح، فإنّه يقال:

المراد بنفي النفقة في ما تقدّم نفيها في مال المتوفّى، و المراد بهذه إثباتها في مال الولد. و أمّا بين هاتين و بين الأخيرة، فيقال: إنّ الحامل المذكور ينفق عليها من المال المعزول لولدها، و هو ما لم تضع حملها لم يعلم أنّه مال جميع الورثة أو مال الحمل، فما لم تضع ينفق عليها من جميع المال، فإذا وضعت فإن كان الولد حيّا، كان النفقة الماضية محسوبة من حصّته، و إن سقط ميّتا فلا نفقة للحامل فيثبت بدلها في ذمّتها لسائر الورثة، و لا ينافي ذلك الرخصة الشرعيّة.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 279

المطلب الثالث

اعلم أنّه لا فرق في حكم نفقة الزوجة بين المسلمة و الذميّة و الحرّة و الأمة، و المقصود بالكلام هنا ما إذا شرط مولى الأمة خدمتها لنفسه في النهار فهل يكون نفقتها على سيّدها دون الزوج لانتفاء التمكين التامّ، أو على زوجها دون السيّد، أو يتبعّض، فنفقة الليل على الزوج، و النهار على السيّد؟

مقتضى ما تقدّم من إطلاقات وجوب نفقة الزوجة على الزوج وجوبها مطلقا على الزوج، و الخارج عن تلك الإطلاقات ما إذا تحقّق النشوز و عدم إطاعة الزوجة للزوج في الحقّ الواجب عليها، و من المعلوم انتفاء ذلك في المقام، و إذن فلا كلام في أصل وجوب النفقة في الأمة، و إنّما الكلام في حكمها حيث إنّهم فرّقوا في النفقة بين المأكول و نحوه ممّا يتوقّف الانتفاع به على تلف العين، و بين الكسوة، فحكموا في الأوّل بثبوت الملك للزوجة، يعني أنّها مالكة للمأكول يوما

فيوما، بخلاف الكسوة فليس لها فيه إلّا حقّ اللبس، و لا يتعلّق لها حقّ الملك برقبتها و عينها، فأشكل عليهم الأمر في هذا المقام بناء على القول بعدم ملك المملوك في أنّ الأمة تصير مالكة للمأكول كالحرّة، أو أنّه يصير لسيّدها ثمّ يجب عليه أن يعطيه إيّاها، إمّا مع جواز الإبدال أو بدونه.

أقول: أوّلا يمكن الخدشة في الكلام الأوّل، و هو الفرق بين المأكول و الملبوس، فإنّ لسان الدليل في كليهما واحد، فأيّ مانع من القول بأنّ الزوجة لا تملك شيئا في شي ء منهما، بل لها حقّ الانتفاع محضا في كليهما، و لا ينافي ذلك ما في بعض الروايات «29» من جواز تصدّقها للمأكول و هبتها إيّاه

______________________________

(29) الوسائل 15/ 236.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 280

لجواز ذلك في حقّ الانتفاع الخالي عن الملك أيضا، فإنّه كما يكون حقّا قابلا للإسقاط، يكون قابلا للانتقال إلى الغير أيضا.

و بالجملة فيكون حال هذا القسم بالنسبة إلى الزوجة حال ما إذا شرط في ضمن العقد اللازم ضيافة الأجنبي، فكما يكون الأجنبي ذا حقّ متعلّق بأكل المأكولات و مع ذلك يكون رقبتها ملكا لصاحبها، فكذلك حال الزوجة هنا، فإنّه لم يحصل في المقام واحد من المملّكات و النواقل الشرعيّة، لا بالنسبة إلى الكسوة، و لا بالنسبة إلى غيرها.

و توهّم أنّ الفارق قابليّة الأولى للبقاء و استيفاء المنفعة منه مع بقاء العين، و عدم قابليّة غيرها للانتفاع إلّا بإتلاف العين، و لهذا قيّدوا الملكيّة بنفقة اليوم، يعني أنّها تملك يوما فيوما، فحال المأكول بالنسبة إلى السنة مثلا حال الملبوس في عدم الملكيّة، و أمّا بالنسبة إلى اليوم. فالقول بالملكيّة لأجل عدم قابليّة الانتفاع إلّا بالإتلاف و قد ظهر ما فيه،

إذ المفروض أنّه ليس في المقام سوى أدلّة وجوب نفقة الزوجة، و هي لا تخلو إمّا أن تكون دالّة على حصول الملكيّة فيلزم الحاكم بها في كلا القسمين، و إمّا لا تكون دالّة عليها- كما هو الحقّ- لأنّ غاية ما يستفاد منها ثبوت الحقّ و هو أعمّ من الملكيّة، فلا بدّ أنّ لا يقال بها في كليهما أيضا، فالفرق لا وجه له أصلا. و على هذا فلا يبقى إشكال في الأمة أيضا فإنّها و إن قلنا بعدم مالكيّتها و لكن لا مانع من استحقاقها حقّ الانتفاع المجرّد عن الملكيّة، فيكون حالها حال الحرّة بلا فرق.

و ثانيا لو سلّمنا الفرق بين القسمين و حصول الملكيّة في مثل المأكول لإجماع و نحوه، لكن نقول: فما الداعي إلى القول بحصولها في الأمة بالنسبة إلى سيّدها، بل اللازم على القول بعدم الملك للمملوك هو استثناء الأمة من قاعدة وجوب هذا القسم من الإنفاق، فالثابت لها على الزوج هو الكسوة

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 281

فقط، دون الرزق، و الحاصل بعد العلم بأنّ الأمة لا تملك، و أنّ استحقاق الزوجة للمأكول يكون على نحو الملك، فلا بدّ من تخصيص دليل هذا الاستحقاق بالنسبة إلى الأمة، دون القول بعمومه و حصول الملك للسيّد.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 282

المطلب الرابع في بيان الحال في فرعين قد عمّ البلوى بهما.

اشارة

أحدهما أنّه هل المعتبر في باب نفقة الزوجة هو ملاحظة زيّ الزوجة و شؤناتها مطلقا، سواء كان الزوج موسرا أم معسرا، غاية الأمر أنّه في حال الإعسار ينفق بقدر المقدور، و يبقى الباقي دينا عليه، أو أنّ ملاحظة ذلك مخصوصة بصورة الإيسار، و أمّا مع الإعسار و شرافة الزوجة فلا تشتغل ذمّة الزوج بأزيد من مقدوره؟.

و الثاني أنّه على تقدير العجز

المطلق و الإعسار الكليّ للزوج، هل يجبر على الطلاق أو لا؟ و بعبارة أخرى لا إشكال في من يقدر على الإنفاق بتمامه أو بعضه، في كونه مردّدا بين أمرين لا ثالث لهما، أمّا إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، فهل عند عدم التمكّن من الشقّ الأوّل- و هو الإنفاق و الإمساك بالمعروف- رأسا يتعيّن الأمر في الشقّ الآخر، فيجبره الحاكم على الطلاق، أو يرتفع الإجبار حينئذ، و إنّما هو مع التمكّن و الامتناع.

و محصّل الكلام في المقام الأوّل:

أنّه قد ورد في عدّة من الأخبار في تفسير قوله تعالى وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ «30» أنّه إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلّا فرّق بينهما «31» يعلم منه انحصار حقّ المرأة على الرجل من الطعام فيما يقيم الظهر من أيّ جنس كان و إن كان غير لائق بشأنها. نعم لو كان الملائم

______________________________

(30) سورة الطلاق، الآية: 7.

(31) الوسائل 15/ 223.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 283

بمزاجها خصوص جنس خاصّ كالأرز بحيث يضرّ بها الاكتفاء بغيره كان مصداق ما يقيم الظهر بالنسبة لها منحصرا في هذا الجنس، و من الثياب ما يكسو البدن من دون اعتبار بخصوص الجنس اللائق بالشأن، و أمّا الزائد على مقدار إقامة الظهر و كسوة البدن فليس واجبا عليه و لا دينا عليه، فإنّه إذا انحصر مورد التكليف في ذلك كان الوضع أيضا كذلك، فإنّ الوضع مستكشف من التكليف. نعم لا يعلم منه الحال في الزوج الموسر لكونه واردا في تفسير مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ إلى آخر الآية «32».

فإن قلت: لا ينافي هذا مع دينيّة الزائد إذا دلّ عليها دليل، و الدليل عليه قوله تعالى وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ «33» فإنّ العشرة

بالمعروف تقتضي مراعاة المعتاد في حقّ أمثال المرأة في البلد، فلو كان من أهل الخدمة وجب لها تحصيل الخادم، و كذا يلاحظ عادة أمثالها في جنس المأكل و المشرب و الملبس و المسكن.

قلت: لو كنّا نحن و هذه الرواية لكان النسبة بينها و بين الآية عموما مطلقا فوجب تقييد الآية بالرواية بصورة إيسار الزوج، و أمّا عند المقدرة و الضيق، فالواجب منحصر في ما يقيم الظهر و يكسو البدن.

ثمّ نقول: و أظهر من هذه الرواية من جهة الدلالة على الكليّة صحيحة أبي بصير المرادي: «من كان عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها كان حقّا على الإمام أن يفرّق بينهما» «34» فإنّه غير مخصوص بصورة الإعسار، بل الموضوع: كلّ من كانت عنده امرأة الشامل

______________________________

(32) سورة الطلاق، الآية: 7.

(33) سورة النساء، الآية: 19.

(34) الوسائل 15/ 223.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 284

بعمومه الموسر و المعسر، و على هذا فليس الواجب في حقّ جميع الأزواج لزوجاتهم إلّا بمقدار إقامة الصلب و ستر العورة، من غير فرق في الزوج بين الموسر و المعسر، و في الزوجة بين الرفيعة الشأن كبنات الملوك، و وضيعته.

و حينئذ فيجب صرف الأوامر الظاهرة في وجوب ما زاد عن هذا كآية العشرة بالمعروف «35» إلى ضرب من الاستحباب. و كذا قوله لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ «36».

فإن قلت: النسبة بين هذه الرواية و ما تقدّمها عموم مطلق حيث إنّ الأولى خاصّة بالمعسر و الثانية شاملة له و للموسر، فيجب حمل المطلق على المقيد.

قلت: لا وجه للحمل هنا إذ لا تنافي بين المطلق و المقيّد، و يمكن الجمع بينهما فإنّ المقيّد ليس إلّا متعرّضا لحال المعسر مع السكوت عن

الموسر، و المطلق متعرّض لكليهما.

فإن قلت: إنّ الإضافة في عورتها و ما يقيم صلبها منصرف إلى ما هو المتعارف في حقّ الزوجة، و هو مختلف في حقّ الزوجات.

قلت: هذا مجرّد دعوى بلا بيّنة، بل المتبادر منه ليس إلّا مطلق ما يقيم الصلب و يستر العورة من غير فرق في مصداقه بين الزوجات. و بالجملة الظاهر أنّه كلّي متواط و لو كان المعتبر ملاحظة المعتاد لكلّ امرأة، لكان متعلّق التكليف كلّيا مشكّكا، و وجب أن ينبّه في النصوص على اختلاف الحال بالنسبة إلى كلّ زوجة، فالواجب في حقّ كلّ ما ناسب شأنها، و هذا بخلاف ما هو الواقع من وقوع هذا المضمون أعني إقامة الصلب و ستر العورة و ما

______________________________

(35) سورة النساء، الآية: 19.

(36) سورة الطلاق، الآية: 7.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 285

يؤدّي مؤدّاهما في أخبار كثيرة، فإنّه يقوي الظنّ بكونه كلّيّا متواطئا متساوي النسبة إلى جميع أفراد المرأة.

فإن قلت: غاية ما يلزم من هذه الرواية أنّ الحقّ الذي يتفرّع على تركه الإجبار على التفرقة هو هذا المقدار، و لا ينافي أن يكون هناك حقّ أزيد من هذا يرتّب على تركه العصيان و الضمان بدون الإجبار على الفرقة.

قلت: ترفع هذا الإشكال رواية و هي رواية إسحاق بن عمّار أنّه سأل أبا عبد اللّٰه عليه السلام عن حقّ المرأة على زوجها قال: (يشبع بطنها و يكسو جثّتها و إن جهلت غفر لها) «37» حيث إنّه سؤال عن مطلق حقّ المرأة على الزوج، فيفيد الانحصار في إشباع البطن و كسوة الجثّة و عدم الحقّ من غير هذه الجهة. و لا يتوهّم زيادة في إشباع البطن على إقامة الصلب، فإنّ إقامة الصلب أيضا لا يحصل إلّا بالإشباع،

إذ مع الجوع ينكسر القوي، و يضعف الصلب، فهما متلازمان، و المحصّل منهما واحد.

و بهذا يتّضح الحال في الرواية المتقدّمة و ما شابهها مثل رواية ابن أبي عمير «38»، عن جميل بن درّاج، قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد. قال ابن أبي عمير: قلت لجميل: و المرأة، قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال: إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه، و إلّا طلّقها. قلت: فهل يجبر على نفقة الأخت؟ فقال:

لو أجبر على نفقة الأخت كان ذلك خلاف الرواية.

و أوضح ممّا تقدّم رواية إسحاق بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما حقّ المرأة على زوجها الذي إذا فعله كان محسنا؟ قال:

______________________________

(37) الوسائل 15/ 223.

(38) الوسائل 15/ 224.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 286

(يشبعها و يكسوها و إن جهلت غفر لها) «39» من حيث التقييد بقوله: «الذي إذا فعله كان محسنا» الظاهر كونه إشارة إلى العشرة بالمعروف.

و نظيرها رواية يونس بن عمّار، قال: (زوّجني أبو عبد اللّٰه جارية كانت لإسماعيل ابنه، فقال: أحسن إليها. قلت: و ما الإحسان إليها؟ قال: أشبع بطنها و اكس جثّتها و اغفر ذنبها) «40».

و أوضح من هذا كلّه رواية أخرى عن أبي عبد اللّٰه عليه السلام، قال:

جاءت امرأة إلى النبيّ صلّى اللّٰه عليه و آله فسألته عن حقّ الزوج على المرأة فخبّرها ثمّ قالت: فما حقّها عليه؟ قال: (يكسوها من العري و يطعمها من الجوع و إذا أذنبت غفر لها، قالت: فليس لها عليه شي ء غير هذا؟ قال: لا)- الحديث- «41».

حيث صرّح فيها بنفي الحقّ زيادة على ذلك.

و أصرح من جميع ذلك لاشتماله على القسم

رواية شهاب بن عبد ربّه، قال: قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: ما حقّ المرأة على زوجها؟ قال: (يسدّ جوعتها، و يستر عورتها و لا يقبّح لها وجها، فإذا فعل ذلك فقد و اللّٰه أدّى إليها حقّها) «42».

و يستفاد من الفقرة الثالثة حقّ آخر، و هو أن لا يقبّح الزوج وجه الزوجة، يعني يجب أن يهيأ لها ما يرفع الأوساخ عن بشرة وجهه و شعر رأسه و بدنه و لا يدعها تصير قبيحة المنظر لكثرة الكثافة المحيطة ببدنها، فيبذل لها أجرة الحمّام ليغسل ببدنها من الكثافات، و كذا يبذل سائر أسباب التنظيف

______________________________

(39) الوسائل 15/ 224.

(40) الوسائل 15/ 225.

(41) الوسائل 15/ 225.

(42) الوسائل 15/ 226.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 287

من المشط و الصابون و نحوهما.

و يتفرّع على هذا أنّ أجرة الحمّام الذي يكون للتنظيف كان على الزوج، و الذي يكون للغسل فليس إلّا على نفسها.

و أمّا الأدوية و أجرة الطبيب حال المرض فلا يبعد القول بدخولها تحت عنوان ما يقيم الصلب، فإنّ إقامة الصلب في حقّ المريض لا يحصل إلّا بإعطاء الأدوية النافعة.

فتحصّل: أنّ المستفاد من مجموع أخبار الباب أنّ الواجب في باب نفقة الزوجة منحصر في ثلاثة أمور: الأوّل ما يقيم صلبها، و الثاني ما يكسو جثّتها، و الثالث ما يزيل الوسخ من وجهها و بدنها و أمّا غير هذه فلا دليل على وجوبه، و الأمر الوارد به محمول على الاستحباب، من غير فرق بين أفراد الرجال و آحاد النسوان.

هذا حاصل الكلام في المقام الأوّل.

و أمّا المقام الثاني:

فاعلم أنّ مقتضى إطلاق ترتيب الإجبار على التفرقة على عدم إعطاء ما يقيم الصلب، و نحوه المذكور في أخبار عديدة ممّا تقدّم، هو ثبوت الإجبار على الطلاق مع

الإعسار المحض أيضا، فإنّ عدم إعطاء ذلك أعمّ من التمكّن منها و الامتناع، و من عدم التمكّن و عدم الوصول إليها للفقر، ففي كلتا الصورتين يصدق أنّه لا يشبع بطن زوجتها و لا يكسو جثّتها. و لا اختصاص له بصورة التمكّن و الامتناع من البذل، فيكون حكمه الثابت له في تلك الأخبار جاريا في كلتا الصورتين أيضا.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 288

المطلب الخامس

اعلم أنّهم بعد حكمهم في الكسوة و السكنى بأنّ الزوجة لا يملكها و لا يجب تمليك الزوج، بل يمكن الاستعارة و الاستيجار أيضا، حكموا في نحو القوت ممّا يتوقّف انتفاعه على تلف عينه بحصول الملكيّة لها، و قد استندوا في ذلك بقوله عليه السلام في ذيل رواية شهاب بن عبد ربّه «43» المتقدّمة: (و ليقدّر لكل إنسان منهم مدّا من الطعام إن شاء أكله، و إن شاء وهبه، و إن شاء تصدّق به)، حيث إنّ الظاهر من ذلك جواز أن تهب الغير نفس رقبة الطعام دون حقّ الانتفاع به و الأكل، و كذا أن تتصدّق، بمعنى نقل نفس ملكيّته إلى الغير بعنوان الصدقة، لا نقل منفعته مع بقاء الأصل على ملك الزوج، فإذا تحقّق للزوجة حقّ الإتلاف و حقّ التمليك، بالهبة و بالتصدّق و بالبيع أيضا، و بغير ذلك، فلا معنى لذلك إلّا الملكيّة. و القول مع ذلك بأنّ المتحقّق ليس إلّا إباحة جميع التصرّفات مع بقاء أصل الرقبة على ملك الزوج لعلّه كان عبارة أخرى عن الملكية، لكن مع ذلك فيه أنّه ليس في الرواية تصريح بحصول الملكية، و إنّما حكم فيها باستحقاقها القوت بمقدار المدّ على الزوج مع تجويز الهبة و التصدّق لها، و هذا يجامع مع عدم الملكيّة، بأن

يكون لها حقّ الأكل فقط، مع كون الأصل ملكا للزوج، غاية الأمر هو ملك لا يؤثّر رضا مالكه في نقله و انتقاله، بل للزوجة أن تخرجه عن ملكه إلى الغير بدون رضاه.

و بالجملة فللزوجة حقّ التمليك و سائر التصرّفات، و ليس لها حقّ

______________________________

(43) الوسائل 15/ 226.

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 289

التملّك، إذ الدليل لا يساعد على أزيد من ذلك.

ثمّ إنّا إذا سلّمنا حصول الملك كما زعموه، و لكن من أين يثبت أنّ زمان حصول ملكيّة قوت كلّ يوم صبيحة هذا اليوم، فإنّهم صرّحوا بأنّها لا تملك إلّا نفقتها يوما فيوما، و نفقة كلّ يوم في صبيحته، مع خلّو الرواية عن هذا القيد، و إنّما الموجود فيها أنّ المدّ- و هو ربع الصاع- لها استحقاقه، و أمّا زمان الاستحقاق هو الصبيحة، فلم يعلم منها، فالقاعدة عدم خروج الملك عن ملك الزوج، و عدم تعلّق الحقّ للزوجة بها إلّا بالنسبة إلى القدر المتيقّن، و هو أقلّ زمان لا يمكن بدونه، فنفقة النهار، تملكها عند أوائل الزوال، و نفقة العشيّة عند زمانها.

ثمّ على تقدير تسليم هذا أيضا منهم، و أنّ الملك أو الحقّ يحصل للزوجة مع اشتراط القبض أو بدونه عند صبيحة اليوم فتحصّل هنا مسألتان قد تعرّضوا لإحداهما، و الأخرى لم تنقح في كلماتهم:

أمّا الأولى فهي أنّه لو وصل وقت قوت النهار مثلا و كانت الزوجة باقية على الإطاعة من أوّل الصبيحة و استمرّت عليه إلى أوان الزوال، فإن أكلت القوت، و بعده خرجت عن الإطاعة إلى النشوز فلا كلام فيما أكلته، فإنّه واقع في زمان الإطاعة، و لكن لو حصل الخروج عن الإطاعة متّصلا بزمان القوت قبل أكله، فلا إشكال في عدم استحقاقها لنفقة

الليل، و هل يسقط استحقاقها لنفقة النهار أيضا و أنّها مشروطة بالتمكين من أوّل النهار إلى آخره، أو لا يسقط و أنّها يكون عوضا لطاعتها من أوّل الصبح إلى وسط النهار و هي حاصلة؟.

الأظهر هو الثاني، كما في الأجير فيما إذا اشترط على المستأجر قوت النهار و الليل، فاشتغل بالعمل المستأجر عليه من الصبح إلى الزوال، ففسخ المستأجر الإجارة بحقّ الخيار، فإنّ الظاهر استحقاق الأجير قوت النهار

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 290

حينئذ، فإنّه بإزاء العمل من الصبح إلى هذا الحين، لا بإزاء العمل في مجموع الوقت، و في الزوجة أيضا يكون قوت وقت الزوال من نفقة زمان إطاعتها، و هو من الصبح إلى الزوال فيكون ثابتة لثبوت الإطاعة في هذا الزمان.

و بالجملة فإذا وصل الزمان العرفي لقوت النهار- فإنّ فيه سعة عرفا- و كانت الزوجة بوصف الإطاعة إلى بعض هذا الزمان، فالظاهر أنّها تصير مستحقّة لقوت النهار كما في صورة تحقّق النشوز بعد أكل قوت النهار بلا فصل، حيث إن عدم استرداد الزوج منها العوض مقطوع به لوقوع أكلها مع الاستحقاق و في حال الإطاعة.

و المسألة الأخرى التي لم تنقّح في كلامهم، أنّه على فرض تسليم ثبوت الملك، أو الحقّ للزوجة من أوّل الصبيحة فهل هو متحقّق على سبيل التزلزل و التعليق على عدم النشوز في أثناء اليوم، بمعنى أنّ الحكم بملكيّتها أو استحقاقها إنّما هو في مرحلة الظاهر و بحكم الأصل، أعني أصل عدم تحقق النشوز منها في أثناء النهار، و أمّا في علم اللّٰه فهما حاصلان على تقدير عدم النشوز و غير حاصلين من أوّل الصبيحة على تقدير النشوز، فيكون النشوز كاشفا عن عدم الملك و الحقّ من أول الأمر، و

البقاء على الإطاعة كاشفا عن حصولهما كذلك.

أو أنّه يحصل الملك المستقرّ في أوّل الصبيحة، من دون تزلزل و تعليق على عدم النشوز في اليوم، فهي مالكة أو مستحقّة لقوت اليوم في أوّل الصبيحة، سواء نشزت في أثناء النهار أم بقيت على الإطاعة الى آخره.

أو أنّه يحصل الملك في أوّل الصبيحة حقيقة، و لكن عند النشوز يحدث حقّ الاسترداد و الاسترجاع للزوج، فيكون الملك هنا نظير الملك الحاصل في البيع الشرطي، حيث يحدث للمشروط له حقّ استرجاعه عند

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 291

تخلّف الشرط.

و تظهر الثمرة فيما لو قبضت القوت في أوّل الصبيحة فوهبتها الغير، فنشزت قبل وصول الزوال. فعلى القول بالملك التعليقي يكشف عن كون هبتها هبة لملك الغير، أو لما لم يكن متعلّقا لحقّها، فلا إشكال في صورة بقاء العين، و أمّا مع تلفها فهل الضمان ثابت هنا أو لا؟.

قد يتمسّك في نفيه بالإذن الشرعيّ و الرضا المالكيّ. و فيه أنّ الإذن الشرعيّ لا منافاة له مع الضمان، و أمّا الرضا المالكيّ فهو قد حصل ببذل القوت للزوجة المطيعة بوصف كونها مطيعة و غير ناشزة، و لم يحصل من الزوج التسليط المجّاني، فعند ظهور الخلاف لا رضاء، فتكون اليد يد ضمان، فيكون من باب تعاقب الأيدي، و قاعدته اختيار المالك بين الرجوع إلى كلّ من اليد السابقة و اللاحقة و على تقدير الرجوع إلى السابقة فلا رجوع لها إلى اللاحقة، و مع رجوعه إلى اللاحقة بأخذ البدل، فلها الرجوع إلى السابقة مع تحقّق الغرور. فهنا إذا رجع الزوج بالبدل إلى الزوجة فليس لها الرجوع إلى المتّهب، و لو رجع إلى المتّهب فله الرجوع إلى الزوجة، إذ يصدق أنّه صار مغرورا للزوجة و

أنّ الزوجة قد غرّته، إذ لا يعتبر في صدق الغرور علم الغارّ و التفاته، بل يصدق مع الجهل أيضا، فلو باع شخص مال غيره من ثالث معتقدا أنّه مال نفسه فتبيّن أنّه مال الغير، يصدق أنّه قد غرّ المشتري. نعم يعتبر عدم علم المشتري بالحال.

و بالجملة فعلى الملك المتزلزل يكون للزوج استرداد العين مع بقائها، و عوضها مع تلفها. و هذا بخلاف القول بالملك المستقرّ، فإنّه لا رجوع له حتّى مع بقائها أيضا، لأنّ الزوجة كانت مالكة، فالهبة قد وقعت على ملكها لا ملك الغير. و لو كان حقّ الاسترداد للزوج حادثا بالنشوز أيضا كان الرجوع إلى العين مع البقاء و إلى العوض مع التلف، فلا بدّ حينئذ من التكلّم

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 292

في أصل المبنى.

فنقول: إنّهم قد ادّعوا الإجماع على أصل الملكيّة، و حينئذ فلا بدّ من السؤال عن المجمعين و ملاحظة كلماتهم في خصوص أنّ الملكيّة التي تقولون يكون على أيّ من الأنحاء الثلاثة؟ فإن ظهر أحدها منهم فهو، و إن لم يستفد من كلماتهم التصريح بشي ء منها كما هو الواقع، فلا بدّ حينئذ من الاقتصار على القدر المتيقّن من هذه الوجوه، لكون الدليل لبّيّا، و القدر المتيقّن منها الملك التعليقي التقديري، لأصالة عدم خروج الملك عن ملك الزوج بالنسبة إلى تتمّة زمان النشوز، فيحكم ببقاء قوت مدّة التتمّة على ملك المالك بحكم الاستصحاب، فإنّ القدر المتيقّن من زوال ملكيّته و ارتفاع سلطنته صورة بقائه على الإطاعة إلى زمان القوت، و الزائد على هذا باق تحت الأصل، و الدليل، لكونه لبّيّا قاصر عن إثبات الزائد، و على هذا فيتعيّن رجوع الزوج إلى العين بمقدار تتمّة زمان النشوز حيثما وجدها، و

إلى البدل مع تلفها. و على هذا فيكون حال اليوم الواحد بالنسبة إلى قطعات زمانه كحال الأيّام المتعدّدة، حيث إنّ المقتضى لحصول الملكيّة هو التمكينات التدريجيّة بتدريج الأيّام فكما لا تحصل ملكيّة نفقة كلّ يوم إلّا بحضوره، كذلك الحال بالنسبة إلى قطعات الزمان في اليوم، فملكية نفقة كلّ قطعة لو كان لها نفقة بحسب العرف و العادة إنّما تحصل عند حضور هذه القطعة.

و على هذا لو أسقط الزوجة حقّ نفقة القطعة المستقبلة أو اليوم المستقبل، كان من باب إسقاط ما لم يجب، فالمتحقّق من صحّة الإسقاط هو إسقاط حقّ القطعة عند حضورها، و أمّا قبل الحضور فمبنيّ على الكلام في كلّي إسقاط ما لم يجب.

و محصّل الكلام فيه أنّه إن استندوا في منعه إلى الوجه العقلي، و أنّه غير معقول، فالمسلّم من ذلك إنّما هو إسقاط حقّ لم يوجد مقتضيه بعد بدون

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 293

فرض مقتضيه محقّقا، و بعبارة أخرى إسقاط الحقّ في فرض عدم تحقّق مقتضيه فهذا من المحال، إذ لا يعقل إعدام موضوع يكون ظرف تحقّقه المستقبل، في الحال الذي ليس له عين و لا أثر، و أمّا على نحو التعليق و التقدير فالإسقاط بمكان من الإمكان، كما في الواجب المشروط، بمعنى أنّ يفرض أوّلا وجود مقتضيه في محلّه و تحقّقه، و في هذا الفرض ينشأ سقوطه.

فيصير المحصّل أنّه لو تحقّق الزمان المستقبل و تحقّق المقتضى فيه فعند وجود المقتضى يسقط الحقّ من هذا الحين، فظرف الإنشاء حال التكلّم، و أمّا المنشأ فهو سقوط الحقّ في الزمان المستقبل، فقد التزم أنّه إن حضر الزمان المستقبل و صادفه وجود المقتضى بأنّ الحقّ في هذا التقدير كان ساقطا، فالملتزم به هو

السقوط الذي هو بمعنى النتيجة دون الإسقاط الذي هو الفعل، يعني لا يلتزم على التقدير المذكور بفعل الإسقاط، بل بنفس السقوط. و لازم ذلك أنّه إن تحقّق المقتضي في زمانه كان الحقّ ثابتا بعده آنا ما ثمّ سقط بالتأخّر الرتبي للسقوط عن الثبوت، و هذا بعينه مثل إنشاء الوجوب على تقدير كذا.

و إن كان المستند في هذا تعبّدا مثل الإجماع الذي انعقد على بطلان التعليق في العقود و الإيقاعات، و اشتراط التنجيز فيها، حيث اشترطوا في عقد البيع و عقد الوكالة و نحوهما باشتراط التنجيز و بطلان البيع أو الوكالة على تقدير كذا، معلّلين بثبوت الإجماع على بطلان التعليق في باب الإنشاء، فلا كلام، و لكن الذي يبقى حينئذ عدم حصول الوثوق بهذا الإجماع، لتعليلهم هذا الحكم بأنّه مع التعليق ينتفي الجزم المعتبر في الإنشاء، و لذلك يقوي الظنّ بكون تمام استنادهم إلى هذه العلّة، و على تقديره فقد بيّنا فساده في محلّه، و أنّه لا يرتفع الجزم مع التعليق، بل يكون الجزم في الإنشاء مع ذلك محفوظا، إذ في فرض حصول المقتضى يحصل الإنشاء الجزمي للسقوط، كما

رسالة في نفقة الزوجة، ص: 294

لو كان المقتضى محقّقا في الحقيقة، غاية الأمر أنّ الجزم في الأوّل منوط بفرض وجود المقتضى بحيث يرتفع موضوعه برفع اليد عن الفرض و الانتقال إلى خلافه، و أمّا مع بقاء الفرض فالجزم حاصل، فالإنشاء يكون عن جزم.

________________________________________

اراكى، محمد على، رسالة في نفقة الزوجة، در يك جلد، مؤسسه در راه حق، قم - ايران، اول، 1413 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.